التزييف العميق- ماهيته و طرق التعرف عليه
منذ حوالي 300 عام، ظلّ أحد الفتيان الرعاة يصرخ قائلًا: "ذئب" لخداع جيرانه الذين سارعوا إلى إنقاذه ظنًّا منهم أنّه كان يتعرّض لهجومٍ من ذئبٍ برّي. وفي أحد الأيام، هجم عليه ذئب بالفعل، فصرخ الصبي طالبًا النجدة، لكنّ الجيران اعتقدوا حينها بأنّه مجرد إنذار كاذب كالعادة، وهكذا أكل الذئب خرافه.
واليوم، نحن نعيش القصة عينها. فعندما نسمع أخبارًا تستفزّنا أو تحرّك عواطفنا، لا نعرف ما إذا كان علينا تصديقها أم لا. فإذا صدّقناها، قد لا تكون الخدعة آمنة، وقد تكلّفنا الكثير أحيانًا.
إذن، ما الذي يجب أن تعرفه عن تقنية التزييف العميق؟
تقنية التزييف العميق هي:
شكلٌ متقدمٌ من أشكال الذكاء الاصطناعي. يُطلق عليه اسم التعلّم العميق، ويسمح لك بإدخال صورة شخص حقيقي أو صوته إلى سيناريو لم يشارك فيه قطّ. فكما يمكن لأي شخص قول الأكاذيب، يمكن لأيٍ كان أيضًا اختلاق أيّ محتوى من لا شيء ودمجه مع أيّ صوت أو صورة أو مقطع فيديو لا تمّت إليه بصلة، بهدف نشر أخبار ومعلومات مزيفة.
آلية عمل التزييف العميق (Deepfakes)
بدأ تطبيق Deepfakes عبر الإنترنت في العام 2017 عندما قام أحد مستخدمي ريديت (Reddit) بمشاركة مقاطع فيديو مزيفة تستخدم وجوه المشاهير على أشخاص يقومون بسلوك غير لائق. واليوم، يصبّ معظم محتوى التزييف العميق في الإطار عينه.
بعبارة أبسط، تقوم تقنية الـDeepfake باستخراج ملامح الشخص الحقيقي من صوره من زوايا وظروف إضاءة مختلفة، ومن ثم دمجها مع تقنيات الغرافيك للحصول على صورة تبدو مقنعة وحقيقية، ولكنّها في الواقع ليست كذلك. وهكذا يتمّ صنع الفيديوهات المزيّفة عبر اتّباع الأسلوب عينه مع كل إطار.
بالإضافة إلى هذا، يُعتبر المشاهير والشخصيات العامّة هم أكثر ضحايا التزييف العميق نظرًا لتداول عدد كبير من صورهم على الإنترنت.
التزييف العميق وحقوق الإنسان
أعرب مركز الخليج لحقوق الإنسان (GCHR) عن مخاوفه بشأن التهديدات المتزايدة التي تسبّبها تقنية التزييف العميق على المدافعين عن حقوق الإنسان وجهودهم كناشطين عبر الإنترنت، خاصةً عندما يدعمون قضايا مهمة في أنحاء الشرق الأوسط.
تدخل هذه التهديدات في نواحٍ عدّة من حقوق الإنسان. فعلى سبيل المثال، يمكن لهذه التقنية أن تنتهك:
- الحق في الصّحة، وذلك عندما يقدم لك أطباء مزيفون نصائح خاطئة أو يبيعونك منتجات ضارة
- الحق في عدم التعرض للتحيّز، وذلك عندما تجعلك الشائعات تحكم على الناس بشكلٍ خاطئ.
- الحق في التعلّم، وذلك عندما يطلب منك مدرّسون وهميون إنجاز واجباتك بطريقة خاطئة.
- الحق في بالحرية والسعادة، وذلك عندما تسيطر الأخبار الكاذبة عليك بشكلٍ معاكس.
- التزييف العميق والأمن الإلكتروني
الأمن الإلكتروني
يعتبر الأمن الإلكتروني مصدر قلق رئيسي آخر للتزييف العميق. لذا ضع في اعتبارك الأساليب العديدة المستخدمة حاليًا لشنّ الهجمات الإلكترونية، وتخّيل المستوى الذي ستصل إليه مع تقنية التزييف العميق.
تحدّثت إحدى المقالات في مجلة فوربس Forbes عن كيفية تعرّض الرئيس التنفيذي لوكالة في المملكة المتحدة للاحتيال في العام 2019 حيث سلبه أحد المحتالين مبلغ 243 ألف دولار بعد أن ادّعى بأنّه رئيسه. وقد أفاد الرئيس التنفيذي في وقتٍ لاحق بأنه تعرّف على لهجة رئيسه ونغمة صوته عبر الهاتف، على الرغم من أنه لم يكن في الواقع رئيسه عبر الهاتف، وإنما تمّ تغيير صوته بتقنيّة الذكاء الاصطناعي.
كيف يؤثّر التزييف العميق عليك سلبًا؟
باستخدام تقنية التزييف العميق، يمكن تبديل الوجوه أو إعادة تكوينها من لا شيء، واستبدال حركة الجسم، وتغيير الأصوات أيضًا. ببساطة، يمكن لأيّ شخص قول ما يريد وبالأسلوب الذي يريده.
من الناحية الأولى، هذا يعني أنّك أكثر عرضة للتفاعل مع الحسابات المزيفة أو اختبار محاولات خداع من الآخرين.
أمّا من الناحية الأخرى، فيمكن للآخرين على سبيل المثال انتحال شخصيتك بهدف ارتكاب فعل غير قانونيّ، أو الحصول على معلومات سرية عنك، أو ابتزازك، وذلك باستخدام تقنية التزييف العميق بهدف تشويه سمعتك.
كيف تكشف التزييف العميق؟
تعمل شركات الأمن الإلكتروني على تطوير خوارزميات وتقنية لمكافحة التزييف، هذه التقنية يمكنها تحديد جميع التباينات المحتملة التي قد تطرأ أثناء عملية التزييف. ومع ذلك، يمكنك أن تلاحظ بواسطة عينيك التشويهات الشائعة لهذه التقنية، مثل:
- حركة غريبة
- اهتزاز على أطراف الوجه
- رمش غريب أو عدم الرمش أبدًا
- عدم تزامن حركة الشفاه مع الصوت
- تغييرات في لون البشرة
- إضاءة غير متناسقة بين الأطراف
- عرض رديء للشعر والأسنان والمجوهرات وغيرها من التفاصيل الدقيقة
احمِ نفسك والآخرين
بما أنّ تقنية التزييف العميق ما زالت مستمرة في التوسع، قد تصبح المنتجات المزيّفة أكثر إقناعًا ويصعب اكتشافها بالعين المجرّدة. لذا يوصى بما يلي:
- التعلّم بشأن تقنية التزييف العميق وتوعية الآخرين بها
- عدم الثقة بشكل مطلق بما تراه وتسمعه
- الحرص على قراءة الأخبار من مصادر موثوقة
- استخدام أدوات عبر الإنترنت، مثل Deepware، للتحقق بشكل مضاعف من المحتوى المشبوه.
وفي النهاية، من المهم جدّا التفكير مليًا قبل مشاركة أيّ محتوى، لا سيّما إذا كان يولّد لديك مشاعر سلبية أو ردود فعل فورية. فأنتَ في النهاية، لا تريد أن تكون شريكًا سلبيًا في الجريمة!